ورد في سورة الأعراف في الآية 31 قوله تعالى : ﴿ ... وكلوا واشربوا ولا تُسرِفوا إنّه لا يحب المسرفين ﴾ ففي الوقت الذي يتحدّث فيه القرآن عن موهبتي الطعام والشراب الطيّبين فإن على الإنسان أن يكون حريصاً بطبيعته البشرية ؛ إذ قد يُسيء استخدام هذين التعليمين ، وبدل أنْ يستفيد من نعمة الغذاء الصحيح بالشكل المعقول والمعتدل ، يسلك سبيل الإسراف والتبذير والبذخ ، لهذا أضاف مباشرة قائلاً : ولا تُسرِفوا إنّه لا يُحبُّ المُسرفين .
وكلمة ( الإسراف ) كلمة جامعة جداً بحيث تشمل كلّ إفراط في الكمّ والكيف، وكذا الأعمال العابثة والإتلاف وما شابه ذلك ، وهذا هو أسلوب القرآن خاصة ، فهو عند الحث على الاستفادة من مواهب الحياة والطبيعة يمنع ويُحذّر فوراً من سوء استخدامها ، ويوصي برعاية الاعتدال ، فقرابة الأكثر من عشرين موضعاً من القرآن الكريم يشير إلى مسألة الإسراف ويذمّه بشدة .
ومن خلال ذلك فإنّ عبارة وكلوا واشربوا ولا تُسرِفوا التي جاءت في الآية، وإن كانت تبدو للناظر أمراً بسيطاً جداً ، إلاّ أنّه ثبت اليوم أنّه واحد من أهم الأوامر والتعاليم الصحيّة ؛ وذلك لأنّ تحقيقات العلماء توصّلت إلى منع كثير من الأمراض والآلام هو الأطعمة الإضافية الزائدة التي تبقى في بدن الإنسان ولا تجذبها الأجهزة المعنيّة بالجذب .
إنّ هذه المواد الإضافية تشكّل من جانب عبئاً ثقيلاً على القلب وغيره من أجهزة الجسم ، وهي من جانب آخر منبع مهيء لمختلف أنواع العفونات والأمراض، ولهذا فإنّ الخطوة الأولى لعلاج كثير من الأمراض هو أنْ تحترق هذه المواد الزائدة التي تمثّل –في الحقيقة – فضلات الجسم ، وتتمّ عملية تطهير الجسم منها عملياً .
إنّ العامل الأصلي الذي يسبّب ظهور هذه المواد الزائدة هو الإسراف والإفراط في الأكل ، والطريق إلى تجنّب هذه الحالة ليس إلا رعاية الاعتدال في الأكل بخاصة في عصرنا هذا الذي كثُرَت فيه أمراض مختلفة من مثل السكّر وتصلّب الشرايين والسرطان والذبحة الصدرية والسكتة الدماغية، وما شابه ذلك من الأمراض التي يُعدّ الإفراط في الأكل مع عدم الحركة البدنية بالمقدار الكافي أحد العوامل المسبّبة للإصابة بها، وليس هناك من سبيل لإزالة هذه الأمراض وتجنّبها إلاّ النشاطات البدنية اليومية أو التدريبات الرياضية مع ضرورة الاعتدال في المأكل والمشرب .
ونحن هنا لا نُريد أن نخوض في الخلاف التفسيري لهذه الآية فقد يُقال: هذه آية خاصة في زمان ومكان ولفئة من الناس ولها سبب للنزول، فنقول :هل من سبب يمنع شمول هذه الآية للحديث السالف الذكر ونحن اليوم نلمس بالدليل المادّي هذا الإنذار القرآني ذا الصِبْغَة الصحيّة العِلْمية ، وإنّ هذا الكتاب – القرآن – جِيء به ليكون هادياً فلا يمنع أن يكون راشداً بعد أنْ كان معافياً وإنّه تحدّث عن شفاء الناس به ومنه ، أضِفْ لذلك فقد حُكي أنّ هارون الرشيد كان له طبيب نصرانيّ حاذق فقال ذات يوم لعليّ بن الحسين بن واقد : ليس في كتابكم من علم الطب شيء والعلم علمان علم الأديان وعلم الأبدان ، فقال عليّ : قد جمع الله الطبّ كلّه في نصف آية من كتابه وهو قوله تعالى : ... وكُلُوا واشْرَبُوا ولا تُسرِفوا وجمع نبيّنا (ص) الطبّ في قوله : ((المعدة بيت الداء والحِمْية رأس كلّ دواء واعطِ كلّ بدنٍ ما عوّدته )) فقال الطبيب : ما ترك كتابكم ولا نبيّكم لجالينوس طبّاً .
وخلاصة القول - فيما ورد ذكره من التحذير في القرآن الكريم -: إنّ القرآن الكريم حين حذّر من داء السكّري لم يكن التحذير أولاً وبالذات، بل كان بالعَرَض ، فالقرآن الكريم لم يحذّر بشكل مباشر من داء السكّري بل حذّر من مقدِّمتي هذا الداء فالأولى هي الإسراف والذي بدوره يقود للمقدّمة اللاحقة - الثانية - أَلا وهي السمنة التي تؤول إلى النتيجة المتجسّدة في حصول هذا الداء ,وهذا لا يعني أنّها النتيجة الوحيدة لكنها محلّ الشاهد هنا.
إنّ أهمّ وسيلة لمحاربة السّمنة هي منع حدوثها بتجنّب الإفراط في تناول الطعام إقتداءً بقول رسول الله (ص) : (( نحن قومٌ لا نأكل حتّى نجوع , وإذا أكلنا لا نشبع )) وقوله في حديث آخر : ((ما ملأ آدمي وعاءً شراً من بطن ، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه ، فإن كان لا بدّ فاعلاً ، فثلث لطعامه ، وثلث لشرابه ، وثلث لنفسه)) .